الأربعاء، 1 أغسطس 2012

فضائل الشكر لله

بسم الله الرحمن الرحيم

من العبادات العظيمة التي ينعم الناس بثمرتها في العاجل والآجل: شكر الله تعالى على ما أولى من نِعَمْ ، والشكر نصف الدين كما قال جماعة من السلف، وقد امتلأ كتاب ربنا بالأمر به، فما من آية ختمت بقول منزلها: {لعلكم تشكرون} أو: { و لعلكم تشكرون}، إلا وهي آمره به.

معنى الشكر:خير ما قيل في تعريف الشكر: عرفان الإحسان.
وقيل: الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع.
وقال ابن القيم: الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة. [مدارج السالكين (2/ 244)].
وهذا يدل على أن للشكر ثلاثة أركان.

أركان الشكر:
أ‌- الاعتراف بالنعمة بقلبه.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا» [مسلم].
ب‌- التحدث بها والثناء على المنعم.
قال تعالى: { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى: 11].
ت‌- تسخيرها في طاعة مسديها والمنعم بها.
قال تعالى: {اعملوا آل داود شكر} [سبأ: 13].
ومعنى الآية: يا آل داود: اعملوا شكرًا لله على ما أعطاكم، وذلك بطاعته وامتثال أمره

الفرق بين الشكر والحمد:
من وجهين:
الأول: الشكر : يكون بالجوارح، والحمد يكون باللسان وبالقلب.
ولذلك نسمع بسجود الشكر، ولا نسمع بسجود الحمد، لأن الشكر يكون بالجوارح. ومضى في أركان الشكر أنه يكون بتسخير النعمة في طاعة الله، وهذا عمل، والعمل بالجوارح.
الثاني: الشكر يكون عند البلاء، والحمد يكون على كل حال، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابته سراء قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات»، وإن نزل به بلاء قال: «الحمد لله على كل حال».

الشكر من صفات الله:ومن أسماء الله: الشاكر، والشكور.
قال تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158].
وقال: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} [الشورى: 23].
وقال: {وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن: 17]
وهو الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا، ويشكر القليل من العمل الخالص، ويعفو عن الكثير من الزلل، بل يضاعفه أضعافا مضاعفة بغير عد ولا حساب.
ومن شكره أنه: يعطي بالعمل في أيام معدودة نعيما في الآخرة غير محدود،قال تعالى: {كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية} [الحاقة: 24].
ثبت عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا رجل يمشى فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له». قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: «في كل كبد رطبة أجر» [الشيخان].
وفي كثير من الأحاديث تجد من عمل كذا وكذا فله الجنة، وهذا دليل على أنّ الله شكور يجزل المثوبة لعباده، ويعطي الكثير على القليل، فما أرحمه من رب! وما أعظمه من إله !!

الشكر صفة الأنبياء:
قال تعالى عن نوح عليه السلام: {ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكور} [الإسراء: 3].
وقال عن إبراهيم عليه السلام: {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين* شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم} [النحل: 120- 121].
وسيد الشاكرين نبينا صلى الله عليه وسلم ، فعن المغيرة بن شبعة رضي الله عنه قال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم أو ليصلي حتى ترم قدماه، فيقال له فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا»؟ [البخاري ومسلم].

الأمر بالشكر:
قال تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} [البقرة: 152].
وقال: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير} [لقمان: 14].
وأمر به نبينا صلى الله عليه وسلم قال تعالى : {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} [الزمر: 65-66].
وأمر به المؤمنين: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} [البقرة: 172].
وقال تعالى: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون * ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون}[يس: 71-73].


ثمرات الشكر:
من صفات المؤمنين:
ففي صحيح مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».
سبب لرضى الله عن عبده:
قال تعالى: {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7].
أمان من العذاب:
قال تعالى: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم} [النساء: 147].
قال قتادة رحمه الله: "إن الله جل ثناؤه لا يعذِّب شاكرًا ولا مؤمنًا" [تفسير الطبري: 9/342].
سبب للزيادة النعم :
قال تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 7].
قال بعض السلف رحمهم الله تعالى: "النعم وحشية فقيدوها بالشكر".
وقال الحسن البصري: "إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا، ولهذا كانوا يسمون الشكر: الحافظ، لأنه يحفظ النعم الموجودة، والجالب، لأنه يجلب النعم المفقودة"
الأجر الجزيل في الآخرة:وقال سبحانه: {وسيجزي الله الشاكرين} [آل عمران: 144].


كيف نكون من الشاكرين؟
بالتلبس بأركان الشكر التي سبقت إشارة إليها.
بشكر من أسدى معروفاً إليك من الناس
لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» [الترمذي].
وفي سنن أبى داود عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ».
وعن جابر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر» [أبو داود].
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء» [الترمذي].
بالتفكر في نعم الله عليك:قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].

بتقوى الله والعمل بطاعته
قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123].
قال ابن إسحاق:"أي: فاتقوني؛ فإنه شكر نعمتي" [السيرة3/113].
بالقناعة والرضا بما قسم الله لك:
قال صلى الله عليه وسلم : «كن قنعا تكن أشكر الناس» [ابن ماجة].
بصلاة الضحى:
فعن أبي ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى» [البخاري ومسلم].
بسجود الشكر:
فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر بُشِرَ به خر ساجدا؛ شاكرا لله [أبو داود].
وهذه السجدة لا تشترط لها طهارة، ولا استقبال قِبله.
والنعم قسمان:
مستمرة ، ومتجددة،
فالمتجددة يسجد الإنسان لله إذا أُكرم بها.

فعن عبد الله بن غنام البياضي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر. فقد أدى شكر يومه، ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته» [أبو داود].

العافية مع الشكر خير من البلاء مع الصبر:
قال مطرف رحمه الله تعالى: "لأن أعافى فأشكر، أحب إلي من أن أبتلى فأصبر" [مختصر منهاج القاصدين (295
فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده، وقال: «يا معاذ، والله إني لأحبك، فلا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك» [أبو داود].

جعلني الله وإياكم من خير الشاكرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }

Source : http://fr3st.blogspot.com/2012/05/add-shareaholic-sassy-bookmarks-to.html#ixzz1vjUMqRHf